أريد أنا أنام نوم ذلك الطفل
الذى يريد أن يتمزق قلبه
فى أعالى البحار
"لوركا"

.

.

الأحد، 12 أكتوبر 2014

الرسالة السابعة إلى أمانى

منذ يومين كتبتُ جزءا ضئيلا من الرواية . كتبتُ فى صفحة و نصف جزءا كنتُ أقلبه فى رأسى منذ سنة ، وكان من المقرر أن يكون متشعبا و طويلا و ممتدا ، لكننى فوجئت أننى انتهيت مسلما و راضيا بصفحة و نصف . قبلها بيومين حدث نفس الشىء ، كتبتُ جزءا أفكر فيه منذ سنة فى أقل من صفحة ! لا أعلم كيف اكتسب أسلوبى هذه السمة : إننى حين أكتب أقفز ، أمدّ يدى بسرعة و ألوى عنق النهاية ، أو أفتحُ كفى و ألقى بذروة المقطع تذروها رياح هوجاء تقصف عمر المقطع . الرواية عبارة عن مقاطع ، لكل مقطع ذروة (وحدة) . و هو البناء الذى أقلقنى و أدخلنى فى متاهات و ضاعف همومى ، و الذى يعود إلىّ فى أحلام حتى الأيام التى أبتعد فيها عن الكتابة ليُلح على ضميرى : كيف كتبتُ بهذا الشكل الغريب ، هل لأنى قصير النَفَس ؟. لكننى لا ألبث أن أنفض عنى هذا الإحباط لأذكر نفسى : إنها الضرورة الفنية التى صنعت هذا البناء ، فبطل القصة وحيد ، ضعيف الذاكرة ، معدوم الملامح ، و يتكىء بأنفاس ذاكرته القصيرة على الملامح المميزة لبعض أصدقائه القليلين . هل هذا يخرجنى من دائرة الندم ؟
أكتبُ هذه الرواية منذ سنتين ، بدأتُ كتابتها من حلم غنى التفاصيل و واضح وضوحا نادرا ، و سمحت لى طاقة احتمال أحد الأصدقاء ليسمعه منى ، أن أستدعيه بقوة أكثر ، و أربط خيوطه ، و فجأة قررت أن أبدأ من البداية ، صور الماضى التى ظهرت فى الحلم ، الطفولة ، المراهقة ، تذكرتُ كل شىء بوضوح ، كان هذا ليبدو مستحيلا : أن يتم التقاط شىء من بئر العشرين سنة المظلمة . الحقّ أن هذا المشروع عزلنى بشكل كبير ، إننى شغلتُ كل همى لأعالج تفاصيل عالم شديد الخصوصية ، يقع تحت الأرض و لم يره النورُ . مرت بى أحداث كارثية و أثناء وقوعها كنتُ منفصلا عنها ، أفكر كيف سأكتبها ! بعتُ الواقع و تشبثت بهذا العالم . إيمان غريب بفجوة مظلمة ، زاد من توترى و جعلنى أكثر ارتيابا . وصل بى هذا الارتياب من نفسى ومن البشر و من الطريقة التى من الممكن أن يقيّم بها البشر مشروعى هذا ، وصل بى هذا الارتياب لدرجة جعلتنى أتحول لمسخ ، يستحيل عليه حتى أن يشبه البشر .
لم أخرج من هذا الجنون إلا من أشهر قليلة ،خرجتُ منه نسبيا ، تركت الكتابة فى هذه الرواية و اقتربتُ أكثر من الناس ، و أصدقاء الدرجة الثانية و أحيانا الثالثة . (أصدقاء الدرجة الأولى يحكمون عزلتى أكثر فأكثر) . و الآن أعود لأكتب ، و لكن بخفة أكثر ، ليس هذا بشىء سىء أو جيد ، لكنه التطور الذى أخذته الرواية بفعل الضرورة الخارجية لتطور بطلها . إننى الآن أدفع كل هذه السنين لتقع فى الهو ، و تتبدد ، و ليكن ما يكون ، و النهاية التى وضعتها يوما و التى كانت تتبلور فى الإيمان بالجمال ، فالذى أعتقده إنها لن تصمد لهذا السقوط الأرعن ، و قلمى الذى أصبح أكثر سرعة ، و أسوأ خطا ، سيتجاوزها سهوا
.
فى أول الرسالة كنت منتويا أن أحدثك عن شغفى بالكتابة ، و فشلى المرتبط بهذا الشغف ، و لكن الرسالة طالت بى دون أن أصل لهذه النقطة ، و لكن اغفرى لى ، فأنا أحدثك عن أهم ما فى حياتى ، فطبيعى أن أكون مملا
ربما الرسالة القادمة تكون رومانسية ، غارقة فى جمال و حرارة فشلى المُحبّب
.
أعتذر عن سؤالى الذى سبب لكِ الإحراج
جاوبينى عليه برشاقة ، و بفِتت متفرقة بين الرسائل
اكتبى إلىّ بسرعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق