أريد أنا أنام نوم ذلك الطفل
الذى يريد أن يتمزق قلبه
فى أعالى البحار
"لوركا"

.

.

الأحد، 31 أغسطس 2014

الرسالة الأولى إلى أمانى


كذلك تمنيت أن أرى الجمال فى كل ما تقع عليه عينى . تمنيت أن أراه فى رسالتك المنتظرة ، حتى أننى كتبت فى آخر يوميّة قبل نصف ساعة من قراءة رسالتك : يارب ، اجعل أمانى تُخرج فى رسالتها أجمل ما فيها . و كان وقع كتابتى ل(أمانى) غريبا !
جلستُ أمس مع صديق لى ، حدثنى عن علاقاته العديدة التى انتهت ، كان كلامه مستفزا و باعثا على اليأس . صديقى متقافز دوما فوق الأيام و البشر . القدرة على الارتباط عند صديقى شبه منعدمة . قلتُ له أن العلاقة الحقيقية تعنى الارتباط بشخص بعينه لا يمكن أن يحل محله بديل ، لأن المركب الذى يتكون بين شخصين هو كالبصمة التى لا يمكن أن تتكرّر . سألته : هل لو ابتعد عنك أحد الأصدقاء المقربين ، و الذين تصدح بأسمائهم متفاخرا بصداقتهم ، هل ستشعر بالنقص الدائم و تظل أعرج ، أو ستستبدل آخرين ؟ . و كنتُ سعيدا بالحيرة و الحرج الذيْن سببتهما لصديقى المستفزّ . قال أنه لم يسأل نفسه هذا السؤال من قبل .
صديقى كتلة من النشاط و الذكاء الذى يلهمنى ، لكنه كتلة متفجرة و هائمة فى الفراغ بغير نقطة ارتكاز . أحلم بالليالى التى نسهر بها فى أحد بيتينا أو فى الشوارع و أرى نفسى أتبعه كشخصين فكهين بحس ٍ عبثيّ و ثقة برشاقة ذوقنا الموسيقى ، لكننى ،مجرجرا ساعات نومى الطويلة ، أتشبث بذيل عباءته الفضفاضة و هو يهوى ..بكل طاقته المُلهِمة.
صديقى يجهز لهجرته .
أما عن نفسى ، يا أمانى ، فقد عرفتها فى علاقاتى القليلة و التى أسميها معجزاتى الصغيرة . فى الإحساس بالخزى من القريبين ، و الذى يمكن تجاوزه بمعجزة ، عرفت نفسى فى عمق هذا الإحساس بالخزى . – الآن ، راجعت هذا الجزء من رسالتك – لم تقولي الخزى ، قلتى الخوف . لا أعلم لم خُيل إلىّ إنك قلتى الخزى ! . إن هذا الخوف و القلق من القريبين شكّلنى ، و لن يمكن أن أهرب من هذا الخوف إلا و سأرتدى عباءة فضفاضة و أهوِى .
أما عنكِ ، يا أمانى ، فقد شعرت من صورك فى الجامعة ، أنك بين جدران مكان سخيف ، مثل المكان السخيف الذى كنت أدرس فيه و تُلتقط لى فيه الصور ، لم تشبهى نفسك فى هذه الصور أبدا ، لا يمكن أن تُشبه هذه الصور أحدا . بعدما عدتُ من السفر رأيت صور شخص آخر ، ربما تُشبه شخصا جميلا ، و لكن كونها تُشبهك أو لا ، فهذا ما لا أعلمه على وجه الدقة .
أما صورة فتاة بسماعات فى أذنها و غارقة فى عالمها الخاص ، فهى صورة خادعة . لا يمكن أن تُلتقط صورة لشخص غارق بسماعات فى أذنه ..متخيلا شعاع الشمس و هو ينعكس على وسامته ، و يأمل من هذه الصورة أن تُشبهه. لا تحاولي صنع الصورة التى تُشبهك ، فهى ستأتى وحدها . لا يمكن البحث عن الذات بنية مبيتة . حَدَث أن اُلتقطت لى صورة سريعة و غير متقنة ، مع رفقاء رحلتى الأخيرة ، و هى صورة اُهملت من جامعى الصور و منظميها . وجدت هذه الصورة : كان أصدقائى لحظة الالتقاط يحاولون ضبط أوضاعهم فى ارتباك و عجل ، و وسط هذا الزحام ، ألقيت نفسى بسرعة ، قبل التقاط الصورة ، على صديقى الجالس على الأرض فى المقدمة : كانت يداه مشتبكتين على صدرى ، و كانت ذراعى ملتفة حول ركبته و يدى مرخية و مستكينة على ساقه ، بينما ساقاى ممتدتان فى صلف . كانت هذه الصورة تُشبهنى !
أما عن الموسيقى ، فإن علاقاتى بها مما يطول شرحه ، ربما أتطرق إلى ذلك فى رسائل أخرى .
أتمنى لكِ تحقق الذات و الإيمان بالبشر ، و أن يحوطك الحب كذلك و يستغرقك الجمال ..و أنتظر رسالتك