أريد أنا أنام نوم ذلك الطفل
الذى يريد أن يتمزق قلبه
فى أعالى البحار
"لوركا"

.

.

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

رسالة الجمال المُهداة إلى محمد مصطفى

كانت عندى مشكلة فى إننا - رغم إن بتجمعنا نفس العقيدة - بنيجى عند نقطة معرفش ايه هى و نختلف ، اختلاف عصبى ، بيخلينا نقول كلام مش عاوزين نقوله ، لما بنسترجع اللى قلناه بعد كده بنكتشف بمنتهى الخجل إننا قلنا كلام اهبل و مش مترابط ، و عصبيتنا على بعض مكانتش مفهومة ، و إن الموضوع فلت منّا . و فى الغالب بتبقى النتيجة : إن هو بيلبس لبس الصوفى المستسلم اللى بيستقبل الإشارات الخفية الدالّة على جمال ربنا ، و أنا باخد موقف المنكر المستهزىء 

.................................................................................

فى فلم (الجمال الأمريكى) - وكان هو اللى ألحّ إنى أشوفه ، ضميرى متقبلش الفلم أوى ، مش عارف ليه ! ..فى النهاية
بهرتنى الكاميرا لما لفت من حوالين البطل لحد ما وقفت على الحيطة ، و بعدها بصقة دم عملاقة طرطشت على الحيطة

 .........................................................

كنا فى الكلية ..كان فاضل ربع ساعة على امتحان ..طلعنا وقفنا فى الشمس بره ، ملقيناش حد ناخد منه سيجارتين ، رحت لعربية واحد صاحبى و خدت منه سيجارتين و رجعت وقفت معاه فى الشمس لوحدينا ، و لما قلتله إن اللى خدت منه السيجارة مابيحبوش و كان مبضون وهو بيدينى السيجارة ، أصرّ إنه ميشربهاش ، و أنا ألحيت إنه يشربها ، فعاند زى طفل ، و انا اتضايقت و زعقت فى وشه لأول مرة ، قلتله : أنا مش سايب الامتحان و قاعد معاك عشان تفقعنى ، ساعتها خد السيجارة و هو مضطر ..و صعب عليا لأن بان عليه أوى إنه اضطر ياخد السيجارة ، حسيت إنه اتعرض لذل ، و قعدنا ربع ساعة من غير كلام ..لكن فى آخر دقيقتين قبل ما أروح على الامتحان ، الحاجز اتكسر و اتكلمنا تانى و قدرت أفهمه ليه فلم (الجمال الأمريكى) مريحنيش : الفلم فكرنى بيه : كائن مستسلم مسبقا لفكرة الجمال الذى يحكم العالم ، فكرة الجمال بالنسباله ترف ، كنت شايف إن الجمال - لو وُجد - لازم يكون صادم و قوى ، يهد الإنسان فى الواقف اللى بيصر فيه على إنكار دلالاته الغير مكتملة . عند نيتشه فيه مثال مخنث للمستدفئين بالنار ، و مخترعى الحكايات ، بينما الإنسان الخارق بيمشى فى البرد ..بيستمر على طلوع الجبل فى البرد القارص ، و على الضفة الإخرى ، فيه الشمس ..فى النهاية فهمنى . قاللى : قصدك منمسكش للجمال ايريال !..لغتنا كانت مستعارة ..استعارة فقيرة و مضللة 

...............................................................

فيه شىء بعيد جوايا و مش مفهوم : انتشاء - فى اقصى درجات الاكتئاب - خبيث ، منتظر اللحظة اللى كل شىء هينتهى فيها عشان يطفو هو ، نقطة انتشاء جوايا لو فكرت فيها لثانيتين جسمى بيقشعرّ ، حتى لَيشمت فى الكوارث اللى بتصيبنى أنا ، النقطة دى أقوى من أى شىء ..إحساس لدنّى حدسى يقينى لا يعرف الشك ، إن النقطة دى أقوى و أبقى ، لما بستردّ أوقات الضيق و الاكتئاب ، بفتكر على نار هادية ، التفصيلة اللى كانت صادفت عينى فى الوقت اللى الشعور ده انتابنى للحظة و خلانى أفهم إنى بتخابث على كل شىء . التفصيلة دى لوحة عظيمة ، حتى لو كانت لمقلب زبالة ، بل خصوصا لأنها لمقلب زبالة ....هنا بلاقى صدى عنده هو ، بفهم إن نفس العقيدة بتجمعنا ، رغم اختلافاتنا فى اللغة المستعارة اللى بيخش فيها الله و الدين و نيتشه !

...........................................


فى جنازة أبو فرح ، كان يوم ملهم بالنسبالى ، صحيت على اتصال (أحمد حسين ) قمت استحميت ، إسلام و أحمد حسين جولى ..و اضطرينا نستنى ساعتين فى أوضه حر و مشمسة مبيغطيهاش إلا ستاير شبه شفافة ، و مفيش أكل ولا شرب( نهار رمضان) ، قعدوا على الأرض و انا مددت على أنتريه صغير تنيت عليه جسمى و مسكت كتاب قديم كنت راميه من زمان فى الأوضه دى ، كان ديوان لمحمد عفيفى مطر ، قريت حتة من (فرح بالماء ) كانت جميلة ..فضلت قاعد ع الكنبة مش متململ ولا متضايق من ربكة قعدتنا المؤقتة فى اوضه مفتوحة ..رحنا الجنازة . مشينا فى حتة مليانة زبالة و كان فيه جثث لمعيز ميتة بتتحرق ، مزاجى كان معتدل ، فيه حدث صادم ، و أنا حزين ، و آمنت ساعتها إن مفيش علاقة بين الحزن و اكتئاب المزاج ...كنت حاسس بإخوة شديدة بينى أنا و إسلام و جعفر و حسين واحنا فى ربكة مواساة فرح ...الجو كان حر جدا و الشمس كانت فاشخة النافوخ

 .................................................................

الفكرة كانت بدات تتبلور ، محمد مصطفى جه بعدها بيومين يعزّى فرح ، و بات عندى ، كنت مصرّ انه يبات عشان أحكيله يوم الجنازة بالتفصيل ، متكلمناش فى الموضوع ده إلا ربع ساعة ، و بقية اليوم نميمة على الناس و الكلية . فرح حكالى عن حلم حلمه قبل وفاة والده بيومين ، كان بمثابة إشارة . اللى أنا مصرّ عليه و مكنتش برضه أعرف ليه ، إنى أوطّى على فرح و أحلفله بكل شىء فى الوجود إن مفيش عفاريت ، و مفيش إشارات ..أنا متيقن من كده ، و ده المشهد المشرق اللى كتبته قبل كده فى القصة : فرح بيوطى على أمه و بيحاول يهدى من قلقها و يحلفلها إن مفيش عفاريت . فى القصة ، فيه فصل عن مراهقة إسلام و مراهقتى ، و فصل عن محمد مصطفى و كلامه عن ربنا و إشاراته ، و فصل عن فرح و العفاريت ، و فصل عن خوف أحمد حسين . و البلّورة اللى بتخرج من كل ده هى النهاية اللى هقول فيها لمحمد مصطفى إن قوانين ربنا لا شىء إلا الواقع ، و ربنا أوضح و أنصع من أجواء الغموض و الصدف و العفاريت و شحتفة المراهقين و حفلات البكاء ، و لغته الوحيدة هى تقل الواقع ، و هنا الجمال مش ورقة طايرة صورها الواد الأوفر اللى فى ( الجمال الأمريكى) ..الجمال هو اللحظة اللى تقبلنا فيها الواقع . بعبارة أدق : الجمال هو الاستسلام للسرعة المربكة اللى تم بها كل شىء
 ...................
تبصر الموت هو تبصر الحرية
 الصداقة تأخذك لعزلة أعمق 
قلق كل موقف ، مرفرف بالخفة المكتوبة لنهايته
.............
يوليو 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق