أريد أنا أنام نوم ذلك الطفل
الذى يريد أن يتمزق قلبه
فى أعالى البحار
"لوركا"

.

.

الاثنين، 6 أكتوبر 2014

الرسالة السادسة إلى أمانى

أكتبُ إليك الرسالة السادسة ، و أنا تحت تأثير الحمى و الهذيان . أصابتنى نزلة معوية و جميع أعصاب جسمى تتعرض لنغزات مُهلكة . و عندما تركت أصدقائى و ركبت الميكروباص انتباتنى رعشة فضممت ساقىّ و سندت برأسى على الزجاج . عندما طلبتِ منى أن أكتب رسالتى أولا هذه المرة و تكتبى أنتِ الرد . قررت أن آخذ راحة من كتابة الرسائل و أشغل رأسى بإيقاع ٍ آخر ، و لكننى الآن قررت أن أجرب أن أكتب لكِ تحت تأثير بعض الهذيان .
فكرتُ أمس أن أجمل فضائلى تتحول تحت سهام الشك و ندم ما قبل الليل إلى صفات سيئة ، إننى أعامل الناس بشكل ٍ طيب ، و أفخر بقدرتى التلقائية فى إبهار الناس بذوقى و حسن معاملتى ، حتى أننى كثيرا ما أفاجىء بذوقى الناس الذين يأخذون عنى انطباعا خاطئا من الصراحة التى تتخلل كتابتى . مثلا ، قالت لى صديقة عرفتنى أكثر مؤخرا ، أننى مخيف ، و أنها كانت تخشى أن تكلمنى فأحرجها . وصلنى هذا أيضا مرتين من أصدقائى ، قالت لهم صديقاتهم أنهن يأخذن عنى نفس الانطباع . أرى أن فرص عديدة للتعارف ضاعت بسبب الانطباع الذى أخِذ عنى قبل أن تسمح المصادفة بتعامل مباشر . و لكن هذا ليس موضوعنا . تحت سهام الندم ، أرى فضيلتى هذه نقيصة ، إننى أغلف تعاملى بحسن الذوق لقلة العشم و الثقة فى الناس : هل يتقبلون طاقة غضبى ؟ . إن الهالة الجميلة لحسن ذوقى تبدو فى أوقات ما قبل النوم المؤلمة ، و كأنها زجاج معتم يفصلنى عن البشر . هل ابتسامتى فى وجه من أقابلهم فى المواصلات أو فى وجه البائع الذى أشترى منه شيئا تعتبر فضيلة ؟ . أحيانا أجد أن لديهن الحق ليأخذن هذا الانطباع ، على الرغم من مستويات الذكاء و الإدراك المختلفة لهن ، ربما جمع بينهن الذكاء الغريزى الذى أحس من لغتى الجسدية إننى قليل الوثوق بالبشر ، أننى أحمل فى قلبى الخوف منهم ، و الاحتقار و الغضب الأهوج من اقل هفوة تصدر من أحد ، على الرغم من ابتسامتى التى سمحت لهن المصادفة أن يلمحنها أو لم تسمح !
إننى تجاوزتُ إحساسى بعدم الأمان ، و لكن هل يبقى مؤثرا ، أن نجاحى الباهر هذا مجرد قشرة فوق محيط أسود من الإحساس بعدم الأمان ؟
و لذلك لن يفهمنى صديقى المصاب بالفوبيا الاجتماعية ، إنه يرى الإقبال على الحياة و العلاقات متلألئا فى عينى - وهذا حسب تعبيره - لكنه لم يقترب اكثر ليحس بهذا المحيط الأسود . إننى لم أرضيه ، لم أحدثه و أخرج معه كفاية ، لم أنصحه إلا فى لحظات تهور نادرة . الخلاصة : لم أرضيه ، لأننى لم و لن أرضى ميله المازوخى ليظهر فى ضعف استثنائى وسط مجموعة من الأقوياء . فوبياك ليست بشىء بالنسبة لى ، قلبى لا يملك البريق الذى فى عينىّ ، إننى فقط ببعض النضج المتواضع و حسن التربية و القراءات التى بالمصادفة كانت مُجدية بعض الشىء ، غلّفتُ ببعض الرشاقة و خفة الدم و التواصل الحميم ، جسدى المنطوى ، المنطوى على حقيقته الأكبر و الأشمل : أنه منطوى !
إننى أسبح فى حلم "المؤقت" ..الذى يسعفنى فى أوقاتٍ مناسبة قليلة ، ليجعلنى أعود إلى التفكير فى سخافة الإله المصاب بضخامة النظر ، الذى لا يرانا إلا و نحن على الحافة .
ذلك الشره إلى النوم مثلى !
اكتبى إلى رسالة أقل هذيانا من هذه
إننى لا أعرف ماذا كتبتُ
اكتبى إلىّ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق